-A +A
ابراهيم القربي - محمد الهتار (جدة)
استيقظت شوارع الحي الشعبي ذي الازقة المتداخلة والساحات المغلقة غير النافذة على ايقاع همسات تدور عن القاء القبض على واحد من ارباب السوابق في الحي والذي اعتاد على اشعال المشاجرات وتعاطي المسكر حيث كان يشكل صداعا حادا لاهالي الحي خاصة ان عددا من الاحداث بدأوا ينجرفون نحوه ويرتكبون جرائم خطف وسرقات على طريقته واذا كان اهالي الحي سكنت هواجسهم وارتاحت خواطرهم المؤرقة من جرائم معتاد الاجرام فإن اسرته تضررت كثيرا من سجنه.
قصة معتاد الاجرام هذه واحدة من حكايات كثيرة لمساجين جنوا على انفسهم واسرهم التي تضررت وتشتت بعد توقيفهم خلف القضبان والدليل على ذلك أن ثمة دراسة أمنية اشارت الى ان 85% من أسر السجناء مهيؤون للانحراف سلوكيا.
وفي سياق آخر كشفت دراسة ميدانية متخصصة ان ما نسبته 10% من أسر السجناء يتوفر لهم دخل ثابت.
ضاقت بها السبل
هنا حكايات من دفتر الواقع تجسد مقولة «سجن وخراب بيوت» تترجمها ربة منزل تعيش في حي شعبي انطفأت شمعة حياتها ولف الظلام اركان منزلها الصغير المستأجر عقب دخول زوجها السجن فحملت على عاتقها مسؤولية رعاية اطفالها الصغار وهي امرأة مكسورة الجناح تواجه قسوة الحياة وحيدة ولا تمتلك سوى الصبر.تقول «جميعة».. لا أعرف كيف أبدأ رواية مشكلتي.. ترددت كثيرا للتحدث معكم.. لكنها الحاجة والظروف القاسية التي اجبرتني ان ابوح بما في صدري بعد سنوات طويلة من الصبر.. وأتمنى ان تنجحوا في مساعدتي ومساعدة ابنائي لان السبل قد ضاقت بي.
وتضيف.. لقد ابتلي زوجي بتعاطيه المسكر ويدخل مرات عديدة الى السجن ويخرج ولكن دون تغيير في الحال.. فالوضع على ما هو عليه.. والضحية نحن.. يخرج من السجن ولديه نية في تركه تعاطي المسكرات.. لكنه لايلبث ان يعود وذلك انعكس عليّ.. لاصبح وحيدة اصارع الحياة لوحدي.. ونعيش أنا والاطفال ظروفا صعبة وتمر أيام متواصلة بدون ان يأكل ابنائي شيئا.. وكما ترى هذا البيت بالإيجار ولا استطيع انا لوحدي ان ادفع ايجاره.. واكثر من مرة صاحبه يهددني بالطرد منه.. لولا الله ثم بعض فاعلي الخير والشيء الذي يدفعونه عني فاتورة الكهرباء.. ولكن الى متى.
وذكرت جميعة.. بكل أسف.. ابنائي.. لم يواصلوا الدراسة بسبب دخول ابيهم السجن واصبحوا ضائعين في هذا الزمن الصعب وعن ما اذا كانت تستفيد من الضمان الاجتماعي قالت: كنت استفيد منه لكن فجأة توقف.. وانقطع عني.. ولا أدري ما السبب وأريد مراجعتهم لكن أجرة «الليموزين» لا أملكها.
وانني أتمنى ان يخرج زوجي من السجن حتى يريحني ويساعدني.

زوجة المروج متسولة
وثمة قصة اخرى للمرأة أم سعيد التي سجن زوجها في قضية مخدرات وتركها تصارع وحدها مع طفلين أكبرهما في العاشرة من عمره ولم تجد وسيلة لاطعامهما سوى التسول بجوار اشارات المرور وتم القاء القبض عليها ضمن حملات التسول ومن ثم بحث وضعها الاجتماعي وبدأت لجنة رعاية ابناء السجناء في تقديم المساعدات لها ولاطفالها.غير انها لم تتحمل زوجها فطلبت الطلاق فتشتت الاسرة.
ولان المجتمع كله يعتبر معنيا بمداواة جراح أسر السجناء وتجنيبهم الاضرار التي قد تلحق بهم نتيجة لوجود عائلهم خلف القضبان فماذا يقول اصحاب الرأي حول هذا الموضوع.
المجتمع يرفض المساجين
حول المشكلات النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها أسرة السجين قالت الكاتبة الاجتماعية والباحثة التربوية دانية الشريف مزاحم آل غالب أن أسرة السجين تتعرض للعديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية الى جانب الظروف الاقتصادية التي غالبا ما تبدو اكثر بروزا وتأثيرا مما يؤدي الى انهيار الأسرة التي تفقد عائلها وراعيها طيلة وجوده في السجن واضافت انه غالبا ما تكون اسرة السجين ليس لها دخل ثابت مشيرة الى ان الأب اذا كان قد دخل السجن عقابا له على جريمة اقترفها فليس معناه ان تعاقب اسرته على جريمة ارتكبها الأب.
والمحت دانية الى ان هناك دراسة حديثة كشفت ان 51% من المواطنين يرفضون تزويج بناتهم من اشخاص قضوا عقوبة السجن في وقت سابق من حياتهم كما بينت الدراسة التي اجريت على عدد من المواطنين لمعرفة اتجاهاتهم نحو السجناء المفرج عنهم ان غالبية افراد المجتمع اي ما يشكل بحسب الدراسة نسبة 77.5% يرفض التعامل مع المتهمين في قضايا المخدرات.
تنامي الشعور العدائي
وفيما يتعلق بالآثار النفسية التي تطال أسر السجناء قال الدكتور حسن محمد ثاني استاذ علم النفس المشارك في كلية المعلمين بالمدينة المنورة: ان الانسان عندما يدخل السجن بسبب ارتكابه جرما فان العقاب لايطال المنحرف فحسب بل يمتد ليشمل اخرين ليس لهم يد في جريمته.
وهؤلاء هم افراد أسرة السجين والذين يشعرون بالغبن ونظرة المجتمع القاتلة تجاههم وهذا يؤدي الى نمو النواحي العدائية لدى أسرة السجين مما يؤدي الى انحراف ابنائه كما ان أسرة السجين قد تعاني من العوز المادي والضائقة الاقتصادية وكل هذا يجعلهم يشعرون باليأس والعجز والاحساس انهم مرفوضون اجتماعيا.
تقصير المجتمع
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هل ياترى ان هناك تقصيرا تجاه أسر السجناء؟.. اجابة هذا السؤال نجدها في افادات احسان طيب الباحث الاجتماعي ومدير الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة سابقا والذي اوضح ان وزارة الشؤون الاجتماعية لاتقوم برعاية أسر السجناء كما ينبغي، كما ان المجتمع هو الآخر مقصر في هذه النواحي.
رعاية المحتاجين
غير ان عوض الردادي وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية للرعاية والتنمية الاجتماعية اكد انهم يقومون بدورهم في تقديم الرعاية والاحتياجات لمن يحتاج اليها.
واضاف ان هناك ايضا اكثر من 400 جمعية خيرية تقوم بدورها في مساعدة المحتاجين.وفيما يتعلق بمعالجة احوال أسر السجناء اوضح ان الوكالة لاعلاقة لها بهم لان هناك جهات مختصة تقوم بهذا الدور.
تدريب وتوظيف
وحول الدراسة التي اشارت الى ان 85% من أسر السجناء مهيؤون للانحراف قال محمد عائض الزهراني أمين عام اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم.انه لم يطلع على هذه الدراسة ولذا فإنه من الصعوبة التسليم بما ورد بها وقد يكون الرقم مبالغا فيه.
الا أن غياب رب الأسرة وهو الذي يشكل السلطة الأبوية والضابط الرئيسي لحمايتهم من الانحراف يؤدي في حالات كثيرة الى انحراف بعض افرادها (مالم يتم احتواؤهم ورعايتهم) فتتحول المشكلة من بسيطة بسجن أحد أفراد الأسرة (الأب) الى مشكلة مركبة بإنحراف أكثر من فرد من الأسرة، وهذا بلا شك من تبعات عقوبة السجن التي تجعل منها في كثير من الحالات عقوبة متعدية الى الغير بدلا من ان تكون عقوبة شخصية لمن حكم عليه بها، وهذا ما جعل الاصوات تتعالى للمطالبة بالأخذ ببدائل عقوبة السجن كالغرامة وتحديد الإقامة والمنع من السفر والخدمة الاجتماعية الإلزامية وذلك في القضايا البسيطة تلافيا لتبعات عقوبة السجن على الفرد والأسرة والمجتمع.
ولاشك ان احتواء هذه الأسر ورعايتها هو من صميم مهام اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم من خلال فروعها الخمسة عشر في كافة مناطق المملكة، وذلك بتقديم الرعاية بمفهومها الشامل وليس الإغاثي فقط المتمثل بتقديم المساعدات العينية والنقدية.
فإضافة على ماتقدمه اللجان من مساعدات كالمساهمة في سداد إيجارات المساكن وفواتير الخدمات وصرف سلال غذاء وكسوة وحقيبة مدرسية فإنها تنفذ برامج للرعاية الاجتماعية والنفسية والتربوية والصحية، وبرامج للتدريب والتوظيف ومتابعة أوضاعهم حتى خروج عائلهم إليهم وتستعين في ذلك بأقسام نسائية تتبع للجان المناطق للتواصل مع الأسر إضافة الى تقديم المساعدة لنزيلات السجون ودور التوقيف.
أما دور اللجنة في مجال حماية المفرج عنهم من العودة الى السجن فتتمثل في إقامة برامج للتدريب والتوظيف كما تشمل انفاذ برنامج للمفرج عنهم في قضايا ادمان وتعاطي المخدرات بالتعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات هو برنامج (الدعم الذاتي) وهو عبارة عن فعاليات علاجية ووقائية وتوعوية وتدريبية منتهية بالتوظيف، إضافة الى صرف مساعدة للمفرج عنه وأسرته خلال فترة البرنامج.وبالنسبة لدور المجتمع فلاشك انه أساسي في رعاية أسر السجناء بدءا بأقاربهم وذويهم ومجاوريهم من حيث احتواؤهم والوقوف الى جانبهم ماديا ومعنويا.
ويمتد الى كافة فئات المجتمع ومؤسساته الرسمية والأهلية عن طريق دعم اللجان الوطنية لرعاية السجناء بكافة المناطق لتتمكن من أداء رسالتها تجاه هذه الفئة.
كما أن المجتمع مطالب بتحسين النظرة السلبية تجاه المفرج عنهم والسجناء وأسرهم باعتبار السجناء إخوة لنا وأخوات زلت بهم القدم وأنه من حقهم علينا جميعا احتواءهم وإعادة دمجهم في مجتمعهم لما فيه صالح الأسرة والمجتمع، وعدم وصمهم بما بدر منهم (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).